مساحة للنقاش الانتصار للغة العربية-يونس إمغران (المغرب)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مساحة للنقاش

مساحة للنقاش
الانتصار للغة العربية

  يونس إمغران    

و أنا أطالع الكتاب الأخير للمفكر المغربي العربي عبد الله العروي " من ديوان السياسة " توقفت مليا أمام آراء " قاسية " ( للمؤلف ) من اللغة العربية، و كنت قبل ذلك، قد عزمت على تخصيص عمودي الأسبوعي " مساحة للنقاش "، لحلقات متوالية حول هذه اللغة العظيمة و الثرية.. لذا قررت أن أشرك معي القارئ الكريم في مناقشة هذا الموضوع، وتقليب جوانبه، و تسليط الضوء الكافي على مختلف زواياه، أملا في بناء تصور حضاري و إنساني حول اللغة العربية، و موقف هوياتي ينتصر لها، و لمن يتحدث لسانها.. غير أن الطريف في القصة كلها، هو أنني – و بينما أنا أبحث عن كتاب " أشعب أمير الطفيليين " لتوفيق الحكيم في مكتبتي، لأتلوه على مسامع ابنتي الصغيرة قبل النوم كما جرت العادة بيننا – وجدت مقالتين قصيرتين لي، نشرتهما بإحدى الصحف المغربية  التي كنت أشتغل بهيئة تحريرها أواخر سنة 1997 ، حول الحاجة إلى إنشاء جمعية وطنية تدافع عن اللغة العربية، فأعدت قراءتهما لعلي أستعين بمضامينهما في الكتابة عن الموضوع المشار إليه أعلاه.. لكنني و بعد أن فرغت من القراءة، قررت أن أعيد نشرهما بموقع طنجة الأدبية ( مع تنقيحات طفيفة ) تعميما للفائدة، و دعوة للتحريض و الانتصار للغتنا العظيمة، و مدخلا لدراسة أعمق، سأعمل على إنجازها في الحلقات المقبلة من عمودي الأسبوعي..
المقالة الأولى كانت تحت عنوان " دعوة لإنشاء جمعية وطنية تدافع عن اللغة العربية "  ( 11 دجنبر 1997 ) قلت فيها :
لست ممن يهوى تأسيس الجمعيات الثقافية أو السياسية أو الاجتماعية، و لا ممن يشجع على تناسل المنظمات ذوات الاهتمام المحدد أو المتشعب، و لكن و لأسباب ملحة، استدعتها هويتي و ثقافتي و وطنيتي، أدعو اليوم بكل إيمان و تسامح، و بكل اقتناع و غيرة، إلى إنشاء جمعية وطنية للدفاع عن اللغة العربية، يكون مقرها بالرباط على اعتبار أن هذه المدينة/العاصمة، نقطة وصل بين جميع المدن و القرى و الأقاليم المغربية، على أن تكون -  لهذه الجمعية – فروع متناثرة هنا و هناك، أو على الأقل – و كمرحلة أولى – أن تسعى مدن كبيرة كالدار البيضاء و فاس و مراكش و طنجة و مكناس و غيرها، إلى خلق فروعها، للمساهمة في حماية شرف اللغة العربية، و الدفاع عنها ضد الغزاة المستلبين من أبناء جلدتنا.. و قد يتساءل الكثيرون عن الدور الذي يمكن أن تضطلع به هذه الجمعية بجميع فروعها ؟ و كيف بإمكانها ضخ مزيد من عناصر المناعة و القوة و الاستيعاب بدماء لغتنا القومية ؟ إنها أسئلة حبلى بالوجاهة و الشرعية.. لذا فإن دور الجمعية سينحصر - في اعتقادي - في أمرين لا يمكن الفصل بينهما، و لا يمكن بالتالي التفريط أو إهمال أحدهما.
الأمر الأول يتحدد في إبراز قدرة اللغة العربية على الاستمرارية، و على مواكبة التحولات المعرفية و العلمية و الحضارية، و على العطاء في القطاعات التقنية و المعلوماتية و التكنولوجية... قد تبدو هذه المهمة صعبة في اعتقاد البعض، و تحديا كبيرا في وجه لغتنا ؟ و لكن توفر لغتنا على خصوصيات مذهلة، و مقومات أصيلة، كالمرونة، و سرعة التكيف، و الانفتاح، و قدرة الاستيعاب الذكي، يجعل قلوبنا مطمئنة، و نفوسنا مرتاحة، و عزائمنا مستعدة لمواجهة لهيب المعركة.
أما الأمر الثاني أو المهمة الخطرة، فتتحدد أساسا في دفع الجمعية بأعضائها و منخرطيها و المتعاطفين معها و المؤيدين لها، إلى نسف كل تظاهرة أو ندوة أو مهرجان ثقافي أو علمي، يقام في المغرب/البلد العربي، معتمدا لغة أجنبية غريبة، و ذات خلفيات استعمارية غاشمة.
لكن النسف هنا لا يعني استعمال العنف، أو رشق المؤتمرين و أصحاب التظاهرة بالحجارة، أو كسر النوافذ و الأبواق و المقاعد، و إنما النسف المطلوب، هو ذلك الفعل الطافح بالتسامح و الغيرة.. الفعل الذي قد يبدأ بالانسحاب، و ترك القاعة فارغة، رهينة بين أيدي المؤتمرين.. أو قد يصل إلى رفع شعارات، تعزز مكانة اللغة العربية، و تندد بأية لغة أخرى بديلة، أو يصل إلى حد الصفير و التصفيق، إمعانا في التشويش، و انتصارا للغتنا المجروحة...
إذا آمل أن تحظى هذه الفكرة الوطنية بالاهتمام الكافي و التأييد القوي.
المقالة الثانية كانت تحت عنوان " نعم للغات الأجنبية الحية " نشرت يوم 12 دجنبر 1997 قلت فيها:
أبدا لست متعصبا للغة الضاد، و لكنني بالمقابل غيور على ما آلت إليه من تهميش و تحقير.. و خائف مما يحاك ضدها من مؤامرة الواد، أو المصادرة.. كيف ذلك ؟
لقد دأب أكثر الساهرين على حماية ثقافتنا الوطنية – و الصحيح حماية ثقافتهم – عند إقامتهم لندوة أو تظاهرة ثقافية أو علمية، اعتماد لغة الاستعمار " الفرنسية " كأداة تواصل و فهم و تثقيف مع جمهور الحاضرين و المتلقين، و ذلك بالرغم من أنهم مغاربة عرب،، أو لنقل مغاربة يتحدثون لغة عربية دستورية.. و بالرغم من أن جمهورهم عربي اللسان و الذهن و الذاكرة.. فلمن يعزفون مزمارهم ؟
إن الحديث باللغة الفرنسية في بلد عربي، دليل على عمق التبعية، و الارتهان الثقافي، و الاستيلاب الحضاري الذي يعيشه أغلب مثقفي المغرب.. إنها حقيقة لا ينبغي مهادنتها، كما لا يجب أن يفهم مما أكتبه، أنني اعترض و أناهض لغات العالم الحية، المشهود لها بالقدرة على مواكبة مستجدات العصر.. كما أنني لا أدعو إلى الانفصال عن الثقافة الكونية المتحررة، و المتشبعة بالقيم الإنسانية المشتركة، بل و لن أحمل الناس يوما على الرجوع إلى الماضي ببلاهة و غباء.. و لكني – أيضا – لن أنصحهم باستعمال اللغة الفرنسية، كأساس معاملاتهم  اليومية في البيت و الشارع و العمل، لأن تاريخ هذه اللغة بالنسبة لنا كمغاربة – و بعض الشعوب العربية الأخرى – هو تاريخ استعمار  و قتل و إبادة ، لخيرة أبناء بلدنا العزيز، و لأن هذه اللغة من جهة ثانية، تشهد باعتراف خبرائها و علمائها، أزمة عاصفة، تتمثل في بطئ تطورها، و عجزها عن مجاراة غريمتها الإنجليزية.. و أشير هنا أن خبيرا لغويا فرنسيا ، أكد على أن ما هو متوفر على المستوى العلمي بالإنجليزية، لا يمكن التوفر عليه باللغة الفرنسية إلا بعد مرور عشر أو عشرين سنة.. إنها بالفعل أزمة طاحنة و مضحكة في آن واحد، آو تبعث على الشفقة.. حقيقة أننا في عصر الحروب الحضارية، و بقدر ما نحن مطالبون بإلحاح، بضرورة استعادة ملامح الهوية المغربية و العربية الأصيلة، بقدر ما نحن مطالبون - أيضا - بالانفتاح على الآخر، لغويا و سياسيا و تجاريا، دون عقدة نفسية، أو شعور بالنقص.
لكن، أعود مرة ثانية، لأؤكد على أنه سيكون من الخطأ التاريخي و الاستراتيجي و الوطني، إيهام الناس بأن فرنسا و لغتها الفرنسية، تشكلان بوابتين سحريتين لولوج آفاق الحداثة و العقلانية و الكونية.


يمكن المشاركة في الموضوع على الرابط التالي:


http://arforum.aladabia.net/viewtopic.php?id=74



 
  يونس إمغران (المغرب) (2009-12-14)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

مساحة للنقاش
الانتصار للغة العربية-يونس إمغران (المغرب)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia